كانت تتمنّى يومًا لو كانت شعرة في رأس عائشة رضي الله تعالى عنها.. أو آسية امرأة فرعون.. أو رابعة العدويّة.. ولكن لم يخطر على بالها قط أنها ستتمنّى يومًا أن تكون: لابتوب!! وهذه الأمنية يبدو أنها آخر صيحة في عالم الزوجات اللواتي ابتُليْنَ بالتصاق أزواجهنّ بهذا الجهاز حتى بات الإنسلاخ ضربًا من المستحيل!
يدخل زوجها من عمله مرهقًا.. ويتوجّه مباشرةً إلى اللابتوب.. يفتحه ويتحسس خطاه إلى صفحته على الفايسبوك ليطمئن.. مَن أرسل له رسالة خاصة.. ومَن زار حسابه أو وضع تعليقًا على كلماته أو...!
- هي: هل أحضّر لك الغداء أم تريد أن ترتاح قبل الأكل؟
= هو: وأنا أيضًا أحبك!
- هي: جيد.. ولكنني سألتك عن الغداء! هل تفضّل اللبن أم الخضار؟
=هو دون النظر إليها: أي شيء! لا فرق!
تجهّز له طاولة الغداء.. فيخشى إن هو فارق الجهاز أن تنقطع شهيته! فيجرّه معه إلى الطاولة.. يضعه على حضنه.. ويبدأ بتناول طعامه دون أن يعيَ ما حوله!
ومساءً.. تجلس تلك المعذَّبة إلى جواره.. تنظر إليه نظر المغشيّ عليه من الحزن! تتمتم في نفسها: ألا أستحق أن يعيرني انتباهه ولو قليلاً؟! أهذا هو الاهتمام والسعادة اللذين وعدني بهما؟! ما على هذا تعاهدنا!!.
تضع رأسها على كفها وتتكئ على الكنبة.. وتغيب في عالم أحلامها الذي يأبى أن يتحوّل إلى حقيقة تريحها! تصحو بعد ساعتين وقد خدرت يدها.. تخبره أنها ستخلد للنوم.. تنتظر منه ردًا! فلا تحصل إلا على منظر يحطّمها: زوجٌ مسمَّرٌ أمام اللابتوب وعيونه تلاحق الكلمات والتعليقات والصور والصفحات! تنظر إليه.. تتمنّى لو كانت ذاك اللابتوب لتشعر بدفء يديه.. وببعض إهتمام.. تغمض عينيها على دمعتين حارّتين.. وترحل!
هذه القصة ليست من نسج الخيال.. وإنما تتكرر كل يوم في مختلف بقاع الأرض، حتى علت الصرخات مدوية دون صدى! إن مشكلة إدمان الإنترنت خطيرة جدًا تنبئ عن إنفجارٍ قريب تهتز بعده أركان البيت وتنهار الأسرة إن لم يُسارع الزوجان إلى حل هذه المشكلة وإعادة الحياة إلى مسارها السويّ!
والحق يُقال، ليس فقط الزوج مَن يدمن الإنترنت وإنما الزوجة أيضًا.. وفي كلتا الحالتين الخطر قائم.. وتتضخم هذه الخطورة إن رافق هذا الإدمان دخول المواقع الإباحية أو غرف الدردشة للتواصل مع الجنس الآخر دون ضوابط شرعية!
ولئن فتشنا عن أسباب هذا الإدمان لوجدنا أنها متنوعة، ولعلّ أهمها: الملل.. الفتور في العلاقة الزوجية.. ضعف الوازع الديني.. فقدان الحوار الزوجي.. عقاب الطرف الآخر.. الهروب من الواقع.. حب الاستطلاع.. السعي للتغيير.. وغيرها..
ولا يكفي أن نشخّص الداء.. وإنما علينا بإعتبارنا زوجين أن نسعى للتخلص من أي مشكلة قد تؤدي إلى زعزعة الحياة الزوجية.. فمن الأهمية بمكان أن يكون هناك حوار بين الزوجين في هذا الخصوص.. فتشكو الزوجة إبتعادَ زوجها عنها بلطف وحبٍّ دون أن تنقد شخصه، وإنما تعرض عليه مشكلة إنشغاله عنها وعن الأسرة لساعات، وتفصّل له مدى حاجتها إلى وجوده الجسدي والروحي.. حتى إذا ما تحسَّس حجم المشكلة بادر لوضع خطوات العلاج.. ولن تفيد المكابرة والعناد.. فيجب على الزوج مصارحة نفسه على الأقل ولو دون تصريح.. وعلى الزوجة أن تعطيه فرصة للتفكير.. خاصة إن كان في أول عهده بالإنترنت.. لأن حب الإستطلاع واكتشافه لعالم جديد وكبير قد يشغله، شرط أن تعود الأمور لاحقًا إلى نصابها.. وإلا فلا بد من تدخلها برفق وحنان..
وما يساعد على التخلص من هذا الإدمان:
تحديد وقت مخصص لدخول الإنترنت.. ضبط الوقت.. رسم جدول لمراقبة أوقات دخوله.. إشغال النفس بأمور أخرى تطوعية، رياضية أو في مجال يحبه.. معاقبة نفسه إن تعدّى الساعات التي حددها سابقًا بحرمان نفسه من الإنترنت ليوم مثلاً.. عدم تزيين جلوسه على أنه لتحصيل علم أو نشر خير.. فالأوْلى أن يعمل على تحسين العلاقة الزوجية وإعادة حرارة التواصل فيها والسعي لتحقيق الإشباع الروحي والجسدي مع الزوجة.. التقرّب إلى الله جل وعلا بالطاعات، والتفكر في سوء عاقبة ارتكاب هذه الموبقات من دخول لمواقع إباحية أو إقامة علاقات مع نساء أجنبيات عنه، إذا كان يفعل ذلك، وتحصين نفسه برقابة الله جل وعلا وتقواه..
وهمسة للزوجة:
أعيدي زوجك إلى حضنك الدافئ بإعانته على تحقيق ما ذُكِر آنفًا.. وأَريه منك خيرًا، أبدعي في تجديد العلاقة معه، ولا تنشغلي عنه مهما كانت الظروف، فهو بحاجة لحضورك الجميل وليس الضاغط! وخففي من الطلبات والأعباء.. املئي قلبه وعقله وحياته.. واجذبيه طائعًا إلى عالمك بحكمتك وحبك!
الإنترنت سلاح ذو حدّين.. وهو كأي وسيلة معرفية تواصلية، يمكن أن نستخدمه فيما يُرضي الله ويسمو بالنفس والفكر.. كما يمكن أن نستخدمه فيما يدمّرنا على صعيد الدّين والنفس والأسرة.. والأمر لك.. ولك الخيار!.
الكاتب: سحر المصري.
المصدر: موقع الألوكة.